
إن الدعوة إلى الله منزلة كريمة اختص الله بها الرسل والأنبياء فكرمهم بها وجعلها تكليفا لهم وجعل هذا التكليف تبعة على من سار على دربهم من لدن آدم إلى قيام الساعة . ولقد كرم الله الدعاة فى القرآن فقال " ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين " .
التوازن بين الواجبات
وإذا كانت الدعوة إلى الله واجبا فى حق الدعاة إلى الله تجاه عامة الناس فإنها أوجب في حق بيوتهم لأن بيوتهم تمثل حصونهم التى قد يؤتون منها دون أن يدرون .والله يقول " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا " . والنبى يقول " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى " .
والواقع يشهد من وجهة نظرى الشخصية قصورا كبيرا فى هذا الجانب فنرى بعضا من الدعاة صرف همّه إلى الآخر ونسى بيته وأبناءه فانشغل عنهم واتخذ من الدعوة ذريعة لذلك . والأمر جد خطير إذا لم يتدارك فظهرت علل فى البيوت نحسب أنها لو أخذت محل الاعتبار والاهتمام من البداية لما كان لها وجودا فى واقعنا .
أعراض لأمراض
وظهرت أعراض كثيرة فى واقع الدعاة تنم على أن الأمور كادت أن تصبح ظاهرة فمنها على سبيل المثال :-
1- عدم تقدير الأبناء لنهج الآباء وأنا هنا لست أريد أن يكون الأبناء صورا أو نسخا مكررة من الآباء فطبيعى أن يختلف الأبناء عن آبائهم فى طريقة أفكاراهم وإنما هناك فرق أن يتميز الأبناء عن الآباء أو أن تكون لهم آراءهم وأن يكونوا أصحاب رؤى أخرى وبين أن يصبحوا غير مقتنعين بما ينتهجه الآباء من أفكار أو ينقموا على سبيل سلكه الآباء.
2- انفراط عقد الأسرة فالأسرة التي من شأنها أن تكون مترابطة أصبحت نادرا ما تجتمع حتى فى كثير من الأحيان ترى بعض الآباء ربما يقضى بالأسبوع أو الاثنين لا يرى أبنائه بحجة الانشغال الدعوى أو الحياتى وكلاهما عذرا غير مقبول وترى الأبناء ربما يتصارعون ولا توجد بينهم علاقة حميمة تجمعهم .
3- الانحرافات السلوكية والأخلاقية المتكررة الأمر الذى بات يمثل ظاهرة مؤرقة إلا ما رحم ربى حيث ظهرت سلوكيات لأبناء الدعاة تمثل انحرافا عن القيم والمرجعيات التى تمثل ثوابت ومرجعيات لتلك الأسر ولغيرها فظهرت سلوكيات تمثل تبيانا شديدا بين ما يعتقده الآباء وما يمارسه الأبناء من تصرفات.
4- افتقاد مناخ الحوار والصحبة حيث أن الأصل أن يصاحب الآباء الأبناء وأن يكونوا مقربين منهم وأن يدركوا مشاكلهم وأن يبوح الأبناء للآباء ليس لأنهم آباءهم وفقط وإنما لأنهم وجدوا فيهم الصديق وأن يسود جو من الانفتاح يسمح بالتناصح والنقاش والحوار المثمر البناء .
نحو العلاج
إن الخطورة تتمثل فى أن البيت ليس وحده صانع الشخصية أو صاحب التأثير الوحيد فيها مما يزيد الأمر صعوبة ولكن على البيت أن يدرك أنه صاحب المسئولية الأولى وأن المسئولية لا تفوض وأن الدعاة بصفة خاصة باتوا يمثلون حجر الزاوية لأبنائهم وعليهم أن يدركوا ما فاتهم من وقت وإلا فإن العواقب ستكون على غير ما تحمد .
وأنا اقترح على الدعاة :-
1- أن يخصصوا من أوقاتهم لبيوتهم وأبنائهم مثلما يخصصون لعملهم ودعوتهم وأن تكون تلك الأوقات ذات أولوية . وكما أنه لا يسمح لأحد أن يدخل على وقت عمله أو دعوته لا يسمح لأحد أن يدخل على وقت بيته وأبنائه .
2- أن ينصتوا لمشاكل الأبناء وأن يعلموا أنهم أصحاب حق عليهم لا يتمثل فى المأكل والمشرب وإنما يتمثل فى التربية السوية القويمة والتنشأة الصالحة والتوجيه المستمر نحو الخير .
3- أن يدعوا لأبنائهم بالصلاح فكثير منا يغفل عن الدعاء لأبنائه وإذا استعرضنا القرآن الكريم نجد الآيات الكثيرة التى وردت على سبيل الدعاء للأبناء " ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما " " رب هب لى من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء " " رب اجعلنى مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء " .
4- القراءة فى طرق تربية الأبناء وأن يعلموا أن من حق الأبناء أن يختلفوا عن الآباء فى طرق التفكير والوسائل وبعض القناعات .
5- إعطاء الثقة للأبناء فى أنفسهم وقدراتهم والثناء على الأفكار الجديدة المبتكرة والأخذ ببعض الآراء فى بعض الأحيان .
أخيرا
إن المجتمع الذى ننشده فى وطننا لابد وأن نقيمه فى بيوتنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلا فبيوتنا حصوننا